العلاج بالخيل في السعودية

العلاج بالخيل في السعودية

لم تكن الفارسة السعودية أريج العبد الله تعرف أن سقوطها من على ظهر الخيل في العام 2015م سيكون سبباً لوقوف الكثيرين من ذوي الإعاقة الحركية على أقدامهم للمرة الأولى.

كما أنها لم تستوعب في تلك اللحظة لماذا طلب منها مدربها على الفور العودة إلى صهوة الحصان رغم ألم السقوط، وتساءلت حينها لماذا يجب أن أعود إليه وقد تسبب بإصابتي، وحينها أجاب المدرب: "هو أيضاً من سيتولى علاجك!".

رحلة بحث واكتشاف:

كان هذا الموقف وراء تخصيص "أريج" لفترة طويلة من وقتها في الاتصال بعدة مختصين والبحث في مجموعة من المصادر الطبية قبل أن تعلن خلال عام واحد عن تأسيس مبادرة (صهوة أمل) التي تعد أول مشروع عربي يعنى بفكرة العلاج بالخيل، وقد تحوّل فيما بعد إلى مصدر أمل للكثير من ذوي الإعاقة الحركية الذين يشكلون نحو 7% من المجتمع السعودي.

لم يكن (صهوة أمل) عملاً محسوم النتائج بقدر ما كان فرصة للاكتشاف، فقد بدأ الفريق المكوّن من 8 من الفرسان والمعالجين والمتطوعين في استقبال الحالات وتقييم احتمالات تحسنها ووضعوا لها خطة زمنية تشمل تمارين الركوب على ظهر الخيل وأخرى في المنزل.

يعتمد العلاج على الموجات التي تتولد عن حركة الحصان لتنتقل بشكل متتابع ومنتظم داخل الجهاز العصبي للإنسان، وهو ما يصبح أكثر فائدة من خلال التوافق الحركي بين الطرفين.

Disclaimer: صاحبة المبادرة أريج العبدالله مع أحد الأطفال - صورة من صهوة أمل

من الحاجز إلى الحافز:

مالك بديوي، شاب كان قد وصل إلى مرحلة التسليم بأن عليه أن يعيش حياته كاملة على كرسي متحرك بسبب معاناته من إعاقة حركية منذ الولادة.

لكن مشيئة الله أرادت أن يجرب إحساس الوقوف لأول مرة على قدميه بعد 29 عاماً، وذلك لأنه صدّق مزحة أريج العبد الله التي طلبت منه أن يذهب لرؤية الخيل فقط، قبل أن يجد نفسه بين يدي فريق متخصص يضعه على ظهر حصان.

ثمة لحظة فارقة على المستوى النفسي تسبق التفاعل الجسدي، هذا ما أكده بديوي الذي جعلته التجربة يرى إعاقته حافزاً، وليس حاجزاً.

ويقول: "كانت حالة من الصدمة، لم يكن بيدي أن أتصرف حيال الأمر، وفيما بعد شعرت أنه عليّ أن أجرب طالما أنني لن أخسر شيئاً، لم أكن أفكر بما سيحدث لي بقدر ما كنت أتأمل في حقيقة أنني معاق يقوم في تلك اللحظة بشيء يخشى الكثير من الأصحاء القيام به".

Disclaimer: فريق من الشباب السعوديين المتطوعين يرافقون طفلة في رحلتها نحو التشافي - صورة من صهوة أمل

دهشة الأطباء:

الدكتور سلمان آل علواني، طبيب سعودي متخصص في العلاج التأهيلي، اختار أن يتطوع في فريق (صهوة أمل) ولم تقتصر تجربته على التطوع الطبي بل مثلت له كذلك اكتشاف خبرة جديدة في مجال عمله.

يقول: "لقد عرضتُ بعض الحالات على استشاريين تصل خبرتهم إلى 40 سنة، وقد أبدوا دهشتهم حيال مستوى التحسن العملي الذي سجلته نتائج العلاج بالخيل، وأكدوا أنه يعد من الأشياء نادرة الحدوث وفقاً للمعيار الطبي".

يوضح آل علواني أن هذا النوع من العلاج يعتمد على البناء التراكمي، وتبدأ فيه نسب التحسن المحتملة من 30% وتصل إلى 80%، وتتطلب تعاون الأهل مع الفريق المختص وتطبيق الخطة العلاجية بما فيها التمارين المنزلية، كما ترتبط بمدى الاستعداد النفسي والبدني من شخص لآخر، وعدم التوقف مع بدايات التحسن.

يضيف:"مازلت أتذكر ذلك الطفل الذي دمعت عيناه حينما تخلص من الكرسي المتحرك وبات بإمكانه إكمال حياته باستخدام العكازات فقط، وحينها قال لي: "يكفيني أنني لن أحتاج إلى مساعدة أحد بعد الآن، في الاهتمام بنفسي، مواقف كهذه هي التي تجعلنا نستمر لسنوات قادمة في هذا المشروع".

Disclaimer: أحد الأطفال المشاركين في برنامج اجتماعي لصهوة أمل - صورة من صهوة أمل

سباق الأمل:

لا شيء يعادل تخيل العافية التي تركض كحصان في عروق أشخاص تضاءلت آمالهم على مدى سنوات، وفي الوقت الذي نجح مشروع (صهوة أمل) خلال ثلاث سنوات في تحقيق نسب تحسن جيدة في أكثر من 50 حالة إعاقة، فإن هذا النجاح جعله يتلقى حتى اليوم أكثر من 3 آلاف حالة تنتظر دورها.

مؤسسة المبادرة، الفارسة أريج العبدالله، كشفت لـ"سلام" أن الهدف القادم هو تأسيس مركز متخصص في العلاج بالخيل واستقبال أكبر عدد ممكن من المستفيدين.

وتضيف: "عملنا مطلع هذا العام على تطوير المبادرة لتشمل أهدافاً عدة، منها التوسع في البحث العلمي في مجال العلاج بالخيل، وتوظيفه لخلق بيئة مناسبة لدمج ذوي الاحتياجات الخاصة بالمجتمع، نؤمن أن الخيل معقود بنواصيها الخير كما قال الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، وهذا يزيدنا ثقة في ما نفعل"

ولأن قفز الحواجز فن تتقنه الخيول وأهلها، فقد نجحت (صهوة أمل) بالفعل في تجاوز التحديات إلى صنع الإنجاز، فحصلت على التبني الرسمي من الاتحاد السعودي للفروسية، وتم تكريمها من عدة جهات.

فيما كانت اللحظة الأهم هي مشاركة فريق المبادرة في بطولة سباق الخيل الكبير، جنباً إلى جنب مع محترفي الفروسية، ولم يكن الأمر غريباً.. إذ لا غريب مع الأمل!

 


التعليقات/ 0


اترك تعليقا